في المسّاء .. وبينما أنا أُضعُ رَأسي على مخدتي وأتهيأ للنوم , وقعت عيناي على صورة معلقة بالجدار وهي صورة للمسجد الأقصى الذي لطالما حلمت أنْ أزوره وأصلي فيه .. حيث أن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة عن باقي مساجد الله في المعمورة كلها .
وفجأة .. ! تناثرت قطرات من الحب على خدي وأرتفع خدايا للأعلى ورحت أبتسم للصورة ولكن دمعة موحشةٌ قد اغتالت بريق ابتسامتي .. راثية للحال البائس الذي يجري بالمسجد الأقصى وبالقدس وبفلسطين كلها , وما يفعله اليهود الحثالة من تدنيس واحتلال للأرض التي احتضنت اسراء ومعراج نبي الله محمد وأول قبلة للمسلمين وثاني مسجد وضع بالأرض بعد المسجد الحرام بمكة وثالث الحرمين الشريفين .
حزمت معي عيون الفضول ورحت شاردة بأفكاري وسافرت بخيالي الى مدينة قديمة وعريقة وأصيلة .. حطيتُ بها ترحالي ونفضت فيها فضولي ,وكان الشوق والحنين يزورني ويرغمني على التجول فيها بأسراب خيالي . وصلت إليها مع الفجر وقبل أنْ تظهر أشعة الشمس رحت أجوب شوارعها وأتجول فيها والبهجة تغمرني وكأني منْ سكانها المحليين الذين عادوا لها بعد طول غياب .. فرحت أتمشى بين الممرات وأسمع زقزقة العصافير,ورائحة الطين التي أشم فيها ذكريات الأمجاد التي تبتعث مع الرياح وكأنها تخبرني بأن صلاح الدين قد مرّ منْ هنا،وأستمتع بنسيم يداعب خصلات شعري بحنان .. وتارة أستمتع بجمال وروعة كروم الزيتون الخضراء والشمس بدأت تطلع عليها .. ما أجملها ! وما أعظمها مدينة ! و كيف لا تكون محط أنظار المعجبين بها ومحط تنافسهم عليها واحتلال ارضها ومحاولة تهويد شعبها وأقصاها العظيم .
وبعد أن فاضت مقلتي بما رأت ،أبصرته هنالك واقفاً على شرفته الواسعة والتي ضاقت عليه من فيض الغرباء وحمقهم . من بعيد .. رأيته يقفُ شامخاً وكصبي يملؤه الجمال و يشع منه بصيص الأمل ،أبصرته وما كادت جفوني تُصدق رؤيته ،ولكن حينما دنوت منه رأيته مثل مسنْ ،كاهله ملامحه ,تكسوه التجاعيد ,شاحب لونه من التعب ومن أرق السنين ويتغشاه وجع مرير . وكان يمسك في يده عكازٌ متينْ يتكئ عليه خشية الوقوع أو الانهيار .
أقتربت أسأله ما سر النور الذي يشع منك رغماً عن كل تلك الملامح المترهلة التي تكتسحك والأوجاع التي تغزوك والألأم التي تعتريك ! تنهد طويلاً وتصنع الابتسامة لأجلي وأجابني بهدوءٍ قائلا لي :لاأعلم ما السبب! ولكن مادمتُ واثقا مطمئنا برب السماء الذي يهديني سلاح الأمل مع الفجر لأمحو عثرات الليل وغيهبه الكئيب ،ومادام لي أحفادٌ أبطالٌ منْ نسل البطل صلاح الدين الأيوبي يتحدون الموت في كل ثانية من حياتهم أنا حينها يطفو الضياء ويفيضُ كنهرٍ جارٍ بمقلتي ويعيد ترتيب نبضي الحزين أنا حينها اتحدى به آلامي وتجاعيد أيامي والغرباء الذين يسكنون شرفتي . تعجبت لأجابته وأيقنت حينها من أين يستمد قوته ونوره الذي ابقاه صامداً حتى هذا الحين . و… مازال حلم تحرير المسجد الأقصى وفلسطين قيد الأنتظار.
الوسومالأقصى الحلم العودة رحلة
شاهد أيضاً
كَبُرَت شَجَرَةُ الزَيتونِ
يَركُضُ بخطواتٍ متعَثّرة .. الكثيرُ من الخوفِ يَعُجّ بدمائهِ ، يَلفّهُ طَيفُ الأيامِ فيزيدُ الظلمةَ …
دقّات ساعة
هُناك وَجدّتُ قطعةً باتت تُوضح معالم الصورة التي أُركّبها مع الزمن.. هدوءٌ ودقّات ساعة! كَليْلةٍ …