كان الظلم من أوائل الأفعال التي تصرف بها بنو آدم , فكان أوله ظلم آدم عليه السلام لنفسه , إذ عصى ربه و أكل من الشجرة المحرمة فظلم نفسه و نزل بها من النعيم إلى الأرض ..ثم تبعها قتل قابيل لهابيل فكانت ظلماً و اعتداءاً على حق نفس أذن الله لها أن تحيا ، ثم تكاثر البشر و تكاثر ظلمهم معهم ، و لا أعرف حقيقة كم قطر الدائرة التي عمّها الظلم اليوم لكنها حتما لن تقتصر على ظلم الإنسان لنفسه و إخوته كما كان في مطلع الأجيال .
إذاً ، فلماذا لا يتأقلم الإنسان مع هذا الظلم الذي ولد معه و كان مصاحبا لوالده آدم في الجنة و نزل معه إلى الأرض ؟ لماذا لا نتعامل مع الظلم كما نتعامل مع أعضاءنا المولودة كذلك منذ نشأتنا ؟ نتقبله كما نتقبل أن لكل منا يدين و قدمين و اعضاء داخلية كثيرة ؟ تصر الشعوب على عصيان من يهضم حقوقها و يظلمها تفلح أحياناً و تخفق أحياناً أخرى .. ألم يكن من الخير أن يُقسم كل شعب إلى ظلمة و مظلومين، يصبر المظلومون على البلية التي ابتلوا بها و يُسهب الآخرون بالظلم ، حتى إذا أرادوا يوماً أن يرحموا أعطوا المستضعفين بعض المزايا التي هي بالأصل حق لهم ، فتشكر الأخرى و تفرح بما أوتيت .. و تستمر الحياة ..
حسناً ، لا أظن أن حياة كتلك قد تستمر ..ذلك أن لكل منا فطرة ولد عليها ، مثل أن نبتعد عن الخطر فور الشعور بوجوده كذلك فطرة العزة و رفض الذل هي أيضاً مما فطر عليه البشر , فأي تجاهل أو تغيير لهذه الفطرة أو تعريضها لعوامل خارجية تناقض شعور العزة الذي جُبل عليه الإنسان يؤدي لا محالة إلى تشويه في تركيبة النفس البشرية .
و خير مثال يضرب في هذا المقام بنو اسرائيل ، إذ أن ما وقع عليهم من ظلم أبّان حكم الفرعون رمسيس الثاني لمصر كان عميقاً لم يُمحى أو يصلح بمجرد أن بعث الله لهم رسولاً يخرجهم من ظلمهم و يعزهم بعد ذلهم ، فما كان منهم إلا أن جادلوا و عصوا مرة بعد مرة .
يقول المفكر الإسلامي سيد قطب منشئاً وصفاً دقيقاً لأثر الظلم على النفس البشرية :” ليس أشد إفساداً للفطرة من الذل الدي ينشؤه الطغيان الطويل و الذي يحطم فضائل النفس البشرية و يحلل مقوماتها و يغرس فيها المعروف من طبائع العبيد ، استخذاءاً تحت سوط الجلاد و تمرداً حين يرفع عنها السوط و تبطراً حين يتاح لها شيء من النعمة و القوة ” و يشهد العالم أجمع على تبطر اسرائيل و تبجحها في الأرض اليوم .
و من هنا كانت ثورات العالم تنادي بالحرية و العدل و رفع الظلم لأن ما عانته يصادم فطرتها الاتي فطرت عليها ، تلك الفطرة التي وضعت لتخدم الهدف من خلق الإنسان و إعماره للأرض .
فكيف لمن يعمر الأرض أن يكون ذليلاً أو ظالماً تتمحور احتياجاته حول الأنا الضيقة ؟ كيف له أن يسن قوانين تخدم الجميع و يبني حضارات مخلدة؟ و أرى في ذلك تمثل الظلم و الذل على وجهي عملة واحدة فكل ظالم كان ولا بد في يوم من الأيام ذليلاً يُقهر ، ذلك ما سنته أحكام الله على البشر في الأرض .
لذلك ، نرى الانتصار حليف كل الثورات التي تنادي بالعدل و إبادة الظلم و إن كان انتصاراً بعد حين فهي رغبة تتماشى مع أهداف خلق الإنسان و مشيئة الله في كيفية سير الحياة على الأرض .
سيأتي من أرض بلقيس هُد هُد ..~ لعله الأمل 🙂
رائعة !