ريشة | مُجتمع الأدب العربيّ
بلا ثمن
"محمد نور" أبو خليف
2014-11-15
خواطر
1,233 زيارة
تلك نفسي، وهذا أنا، غريبان صرنا، لم نلتقِ منذُ زمن، تباعدت خُطانا، سكننا الألم، تغيّرت ملامحنا، وأرهقنا العدم، بتنا وما لَحظنا، أنّنا أصبحنا “بلا ثمن”…
روحٌ فييّ – وليست روحي – مزّقت صدري، وفتّت منّي الضّلوع، ما صرخت ولم تبكِ، إذ أنّ كل أنواع العويل ملّتني وعافتني، هي روحُ ألمٍ عبوسٌ مُظلمة، روحٌ فيها من كلِّ شيءٍ، إلّا الحياة، مزّقتني وخرجت منّي “توبّخني”، لم تلقِ بالًا لعشرتنا، وقصّتنا، وكُلِّ ذكرياتنا، فقد استاءَت منّي.. وملّتني!
لم تسلني ما أنا، ومن أنا، ولم أسألها “لما أنا؟”، لم يكُ هُناك أيُّ مجالٍ للحديثِ ولا النّحيب، اكتأبت فييّ الملامحُ، والعجيب.. أنّها لم تكترث، لم تلتفت، ما تنهّدت ولم تُلقِ حتّى السّؤال، أليالٍ كليالينا تُنسى؟ تلكَ اللّيالِ الطّوال الطّوال؟!
أنفسي ما بكِ، وما الخَطب؟ اشتقتُكِ، اشتقتُ أنفاسك، بسماتك، كلماتك، تنهّداتك، اشتقتُ لمساتك ونظراتك، اشتقتُ فيكِ زمنًا مضى، زمنًا عشقتُهُ، زمنًا عشقتُكِ وعَشِقتِني، لم تغب عن بالي يومًا لحظات الطّفولة، تلكَ أيّامٌ ما بكينا فيها سوى لأجلِ لُعبةٍ وبضعُ قروش…
كاذبٌ أنا، فأنا ما اشتقت، ولم أشعر يومًا بكِ ولا أحببت، تلكَ الطّفولة محضُ افتراءٍ لم أره، حتّى “رينادا”، رينادا كانت وستبقى حُلم، وأنا ما عدتُ أنتظر لأحلامي أن تتحقّق..
حقًا كرهتكِ، وكرهتُني، أنفسي، لا أريدكُ فاذهبي، ابحثي في الفضاء الكبير عن غيري، واسكنيه، غازليه وأقنعيه وإن أردتِ فعذبيّه، لا ترجعي، أكملي الدّرب هُناك وانسني، سأمحو شريط ذكرياتنا، ولتفعلي، فالأرض التي لم تضق يومًا بساكِنيها، ضاقت بنا، ورفضتنا، فأرجوكِ، أن اذهبي…
سألتحفُ السّماء وحدي، ولن أبكِ، لن أبكِ إلّا قليلًا من كثير، لا زال لديّ الكثير لأبكي لأجلهِ، فلم أعد أحترفُ شيئًا مثل البكاء، بُكائي عليكِ، بُكائي عليَّ، بُكائي لأجلكِ، وبكائي لأجليَ، وبكاءٌ ليس كأيِّ بُكاء، بكاءٌ لأجلِ البُكاء، لذات البُكاء، بكاءٌ لكي أبكي، وأعتادُ البُكاء…
سأبتعد، سأبتعدُ كثيرًا، فإذا ما اقتربتُ سأبتعد، سأبتعدُ أقصى البُعدِ حتّى أقتربَ فأبتعد، ولنبتعد، عن كُل ما فينا، ولنَعُد، لهُزالِ ماضينا فلنَعُد، لذواتٍ، لأسامٍ، لأرواحٍ ما غدت فينا، فلنَعُد، وإن عُدنا، فلنبتعد…
في رأسي مسرحٌ، حيث الدُّمى والقصص، كُلُّ ساعةٍ في وادٍ، وكلُّ وادٍ في عالم، وعالَمُ رأسي ليس في أيٍّ من تلك العوالِم، أحدّثه وأرجوه، في كُلِّ يومٍ، أن كفى، ما عُفتنا؟! واللهِ قد أتعبتنا، أُرهِقْتَ أنتَ وأرهقتنا، ألا ودّعتنا؟!
تلكَ “أنا”، وهُناكَ “نفسي”، وهذا “رأسي”، ولا زلت أبحثُ عن “أنا”، لا زلتُ أبحث عن معنى، عن قيمة، عن وجودٍ وعن سيمة، لن أجدها، لا أظنُّني بفاعلٍ، فهل أجد “نفسي”، أو “أنا”؟!
روحي، هي معنا في النّزال، ولا تزال، هيَ الأخيرةُ بلا جدال، ما عاتبتني، وكم أخشى، فتأنيبها وتوبيخها ليس كغيرها، فهي لم تكُن يومًا “أنا”، ولن تكون..
لأجلِ أن أُنهي ليلتي هذهِ سأرحل، سأغمسُ ريشتي في الحبرِ لآخرِ مرةٍ ثُمَّ أرميها، لن أدعها تُلامس رعشة الورق حتّى أنام، فلقد تعبت، تعبت بكلَِ ما فيّيَ من أجزاءٍ مُتناثرة، تعبتُ حدّ الجنونِ بلا جنون، كمرآةٍ ألقتها الرّياحُ بقعرِ صحراءٍ لتُنازلَ الشّمس منذ سِنون، تعبت.. تعبتُ ولا أقوى بعدُ على المتابعةِ أو المثابرة، سأنام وأحلمُ أنّني كنتُ في حُلُمٍ لأستيقظَ على حُلُمٍ يُنسيني كل أحلامي، فأحلمُ من جديدٍ بما أريد، ثُمّ أنسى ما وعدتُ به نفسي، وأعودُ وأكتبُ، “سأكتب”.
اقرأ أيضًا:
شاهد أيضاً
ها انا جالسة ويصبني الملل، واضعة بجواري مصباح لا يفارقني ويحيطنا ظلام دامس. لم نخاف …
ثمّة هناك ثلة لا بأس فيها وكل البؤس منها في مجتمعنا ، يحاكون الغازات النبيلة …
اما زلت تبحث عن “انت” منذ الخاطرة القديمة!
ابدعت بعمق الخاطرة..
نبتعد ونلتقي، ربما كان ما يفرّقنا أكثر ممّا يجمعنا ..
أشكرك 🙂