قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. إذا قلت الحمد لله رب العالمين قال ربي حمدني عبدي، الرحمن الرحيم قال ربي أثنى علي عبدي، مالك يوم الدين قال ربي مجدني عبدي، إياك نعبد وإياك نستعين قال ربي هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين قال ربي هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، أما أنا فأردد ولا أسمع، أتلو ولا أشعر ، فلا أعطي مجال للرد عليّ حتى لو كان إلهى!
ضحية كبقية الضحايا المنجرفين في أمواج العادات بعيدًا عن شاطئ الروحانيات، فيكون الفرد منا لحركات الركوع والسجود منضبط، وعن نسائم البركة أبعد ما يكون عنها، وما زاد الطين بلة تشجيع أنصاف الدعاة، مفرغي المضمون، ضحاياهم بالتشبث في الشكليات، فبدلًا من سؤالهم عن الآيات التي تدبروها وفهموها يسألوهم كم من الأجزاء ختمتم في شهرنا الكريم، حتى يُدخلوهم في “ماراثون” للانتهاء من 144 سورة في 30 يومًا أو أقل.
ويستمر الدعاة في جز خلايانا الحسية، فدائمًا يصب الإمام في آذاننا حديث نبينا: “من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة”، فيصبح هم الفرد هو الوقوف وراء الإمام في صلاة قيامه، حتى تكاد قدماه تتورم كورم “الفيل” لينال الأجر، لكن لا يحثهم على تدبر ما يتلوه من آيات في مكبر الصوت، وإن لم تكن الصلاة تدبر فما فائدتها!
أنا أكفر بدين الشكليات، فالدين أصله روح، فهو ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة، فالدين ليس لحية أو جلباب أو حمل مسبحة واستمساك بسواك، هو في النهاية مناجاة حسية ومحبة بين العبد وربه، فيحاسبنا الله على الكيف لا الكم.
وحتى الآن أنا حائر، فأرى نفسي ملطخ بطين العادات، والمسافة بيني وبين روائح المسك العطرة المطيبة للنفس طويلة جدًا، دائمًا ما أحلم بالوصول إلى مرحلة عبّر عنها توفيق الحكيم بقولٍ على لسان أحد شخصيات قصصه: “كيف يسمع كلام الآدميين من كان في قلبه مقدار نصف ذرة من محبة الله”.