يقول الحق عز و جل:” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ “. ﴿٨٢ البقرة﴾، و في قولٍ آخر: “أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ﴿14 الأحقاف﴾.
قبل التبحر في مختلف الآراء، و الشواهد، و الدلائل، ننظر أولاً في معنى الجنة (لغويًا)، و هو “البستان الذي يستر ما بداخله”، و أمّا في الشرع فهي “دار الخلود و الكرامة التى أعدها الله لعباده المؤمنين، و أكرمهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم”، و يقول الله –عز و جل- في حديثه القدسي :” أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.”، إذاً لم ير أحدٌ جنة الخلد، نستثني من ذلك معجزة الإسراء و المعراج، حينما رأي نبينا –صلى الله عليه و سلم- الجنة و النار، و هنا نقتحم باباً آخر، ألا و هو “كيف لم ير أحدٌ الجنة؟ في حين أن أبو البشر –سيدنا آدم- كان بها هو و زوجته حتى هبطا منها؟
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله “بعد أن خلق الله آدم وأمر الملائكة أن تسجد له وحدث كفر إبليس ومعصيته أراد الله أن يمارس آدم مهمته على الأرض . ولكنه قبل أن يمارس مهمته أدخله الله في تجربة عملية عن المنهج الذي سيتبعه الإنسان في الأرض ، وعن الغواية التي سيتعرض لها من إبليس . فالله رحمة منه لم يشأ أن يبدأ آدم مهمته في الوجود على أساس نظري ، لأن هناك فرقا بين الكلام النظري والتجربة.”، و أضاف “بعض الناس يقول : أنها جنة الخلد التي سيدخل فيها المؤمنون في الآخرة . وبعضهم قال : لولا أن آدم عصى لكنا نعيش في الجنة . نقول لهم لا . . جنة الآخرة هي للآخرة ولا يعيش فيها إنسان فترة من الوقت ثم بعد ذلك يطرد منها بل هي كما أخبرنا الله تعالى جنة الخلد، و كل من دخلها عاش في نعيم أبدي.”، إذاً لو أنها جنة الخلد فكيف يطرد منها؟ و كيف يعصى أحدٌ ربه في جنة الخلد؟ و هل يوسوس الشيطان لمن هم بداخل جنة الخلد؟
بناءً على ما سبق فإن الجنة التي عاش بها آدم –عليه السلام- هي الجنة الدنيوية، و يقول الشعراوي: “إن الجنة هي أي مكان به شجر كثيف حتى يستر ما بداخله”، إذا فهذا القول يتوافق مع معنى الجنة (لغويًا)، و لمّا كانت الجنة التي كان بها آدم دنيوية، فأين موقعها على الأرض؟
يقول الإمام القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) أن الهبوط/النزول من فوق إلى أسفل، فأهبط آدم بسرنديب في الهند بجبل يُقال له “بوذ”.
إذاً الموقع هو جزيرة سرنديب بالهند، و اسمها الآن سريلانكا، و بينهما كان اسمها (جزيرة سيلان)، و سيلان مرتبطة بأذهان المصريين، و خصوصًا “أحمد عُرابي”، و الذي كان منفيًا بها هو و رفاقه الستة، و عاش بها عُرابي لمدة 19 عامًا، حيث نُفي إليها في ديسمبر 1882، و عاد منها في سبتمبر 1901، و لُقبت الجزيرة بـ(جنة آدم) نظرًا لما ذكرته سلفًا، و بالرغم من كونها جنة للآدم، إلا أنها كانت جحيم لعُرابي و رفاقه، حيث أن ظروفها المناخية و البيئية أدت إلى إصابة المنفيين بأمراض عديدة، و منهم من توفى، فنرى أن “عُرابي” قد أصيب بالملاريا و الروماتيزم، و توفى رفيقه “عبدالعال حلمي” بسبب حساسية الصدر، كما توفى “محمود فهمي” بالسكتة القلبية، و توفى أيضًا “يعقوب سامي” و بعد حالتي الوفاة أدرك الإنجليز من أن الطقس غير ملائم لصحة المنفيين، و على إثره تم السماح بعودة “طلبة عصمت” عندما تدهورت صحته، و كذلك “محمود سامي البارودي”، و بذلك تساقط المنفيون واحدًا تلو الآخر، و مات من مات و عاد من عاد، و لم يتبق منهم إلا إثنان، و هم “عُرابي” و “علي فهمي”.
و جزيرة سيلان (سريلانكا) كانت على موعد من استقبال الزعيم “سعد زغلول”، فتحكي سطور التاريخ أن الإنجليز و ضعوا “زغلول” بمعتقل في عدن، و عرضوا عليه مُلك مصر، و ما إن رفض حتى قرروا نفيه إلى جزيرة (سيلان)، هنا نرى الدور الذي لعبه “لويد جورج”، رئيس وزراء بريطانيا أثناء ثورة 1919، حيث قال:” و بعد أن رفض سعد زغلول تولي عرش مصر، قررت أن يُنقل فورًا لا إلى سيلان، بل جزيرة أسوأ منها في المحيط الهندي هي جزيرة (سيشل)، و قد اخترتها لأن أحد أصدقائي مات بها”.
سريلانكا نالت في نفوسنا ما تستحقه، كما حازت على القدر المناسب لها في صفحات التاريخ، و الأحاديث الدينية أيضًا، فهي شاهدة على طرد “آدم”، و طرد “عُرابي” من وطنه، و كادت أن تشهد على طرد “زغلول” أيضًا، فجمعت كل من هم مغضوب عليهم، من الإله، و من الاحتلال….
شاهد أيضاً
تعويذة منمقة صقلوها فألصقوها
مهيئون نحن دوماً على وضعية التمني، نحاكي أحلاماً كثر ولكنّ أقل القليل منها يصيّر إلى …