قال تعالى: “إنا كل شئ خلقناه بقدر”، كل شئ تحت إرادته المطلقة، فهو القادر، جل جلاله، فله الحمد كله، و له الشكر على ما انعمنا به.
الإنسانُ ما بين التسيير و التخيير، تائه في الظلمات، هذا يقول :”الله لم يهدني..فكيف يعذبني؟!!”، و ذاك يقول: “الله قدر لي أن أكون لصاً..فما دخلي بما حل بي؟!!”، و هنا لا بد من التمييز بين التسيير و التخيير على النحو الآتي:
التسيير هو أن يجد الإنسان نفسه في محيط لا دخل له في اختياره، فالفرد لا يختار أبويه، و لا يختار مكان نشأته، و لا تاريخ ميلاده، حتى مكان و زمان وفاته لا يختارهما، و يقول تعالى: “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ”.
أما التخيير فهو دليل على الحرية التي أعطاها الله – عز و جل – للإنسان، فيقول تعالى: “و هديناه النجدين”، و يقول في موضع آخر: “و نفس و ما سواها، فألهما فجورها و تقواها، قد أفلح من زكاها، و قد خاب من دساها”، و عليه، فإن الله خلقنا سواءً في النفس، متفاوتين في القدرات العقلية و الجسمانية.
بناءً على ما سبق، فالإنسان هو من يختار ما بين الخير او الشر، و عليه يتعرض للثواب أو العقاب، طبقاً لنظرية العلة و المعلول، حيث أن لكل نتيجة سبب، فالإنسان الذي يثاب فهو نتيجة لما اقترفه من صالح الأعمال، و كذلك من يُعقاب، لارتكابه اسباباً افضت إلى عقابه.
يبقى السؤال المحير، ألا و هو “هل يقوم الإنسان بالخير حبًا في الخير؟”، في هذا الصدد يتجلى لنا رأي الفيلسوف “بونبوناتزي”، من اتباع مدرسة ابن رشد، حيث يقول :” إن في كرامة الفضيلة و عار الرذيلة لسببًا كافيًا لمحبة الأولى و الترفع عن الثانية”، و يقول أيضًا:” إن الطبيعة الإنسانية هي مقياس الخير و الشر، و يجب إتيان الفضيلة لذات الفضيلة، و إتيان الرذيلة لذات الرذيلة”، إذاً تدور مسألة فعل الخير في دائرة الخوف من العقاب الدنيوي و الأخروي، و ليس حباً في الغاية ذاتها.
يطل علينا “أرسطو” برأي مخالف حيث يقول :”إن غاية الإنسان هي السعادة” مفسراً أن غاية السعادة تتفاوت من شخص لآخر، على هذا الأساس فهناك من تكمن سعادته في خدمة الآخرين، و آخر غايته من السعادة هو تقلد منصب، و آخر يظفر بالسعادة من خلال إشباع شهوته، فيفوز بثواب عرضي غير دائم-يكمن في إشباعه للذة- لكنه يصاب بعقاب دنيوي –عدم ارتياح باله- و عقاب أخروي –العقاب الإلهي- فكل ما نعانيه في حياتنا ناتج عن نقائصنا الخلقية، و الكمال لله وحده.
شاهد أيضاً
تعويذة منمقة صقلوها فألصقوها
مهيئون نحن دوماً على وضعية التمني، نحاكي أحلاماً كثر ولكنّ أقل القليل منها يصيّر إلى …