جرت بنا العادة أن نساير ركب الحياة, فمن نحن لنجدف عكس تيارها؟ لفظني
طاقم السفينة و رفضوا ان أكون, و لو طواعية, مجدافا بعكس ما فرضته الحياة علينا, و هنا تمثلت قصتي مع ضحى, عناد, و اصرار من قبلي و حماقة وتلتها خسارة فادحة.
بعض الردود قد تأتيك صاعقة, بعض المصائب جرحها لا يلتئم و ان التئم يترك ندبة تبقى رفيقتك للأبد, هكذا الحياة تظن أنك عالم بالآخرين و أحوالهم و لكن يتضح لك أنك لست سوى جاهل معمي على بصيرته, التسرّع لا تحمد عقباه, هكذا خانتني الظروف مع ضحى لعب علينا الزمان لعبته الحقيرة و خدعنا, بل خدعني وحدي, خدعتني نفسي.
ابتأدت قصتي معها كأي شابين مراهقين يريدان أن يجرّبا كل جديد, ضحى صديقتي منذ الطفولة, نحن معا منذ نعومة أظافرنا, لعبنا سويا, ترعرعنا سويا, أمضينا معظم حياتنا متلازمين, و كما هي سنة الحياة تمضي غير مكترثة بمشيئتنا.مرت بنا الأيام الى أن وصلنا المرحلة الثانوية كلانا يدرس في نفس المدرسة (براعم الحياة) هكذا كانت تسمى مدرستنا, في الصف الأول ثانوي بالتحديد الشعبة (ج) في الدرج الثالث من الجهة اليسرى, كنا نجلس, كنت حديث النضج حينئذ, مشاعري كحصى تتقلب في قدر على النار, كنت و ما زلت أحمل لهيب نار بداخلي لا تنطفئ الا بحضورها, لا يهم كل ذلك, كل ما يهم هو أني و ضحى, تجاوزنا و تعدّينا كل مراحل الصداقة الآنفة, فنحن صديقان لم يحدثا من قبل, صداقتنا لها طعم آخر حفّت بالثقة و شرّبت الاستقامة.
في ذلك اليوم كنت قد سمعت بعض الأصدقاء يحدثونني عن بطولاتهم الغرامية, أحمد يحب سارة و علاقتهما كالحلاوة على العسل, خالد و يسرى يعيشان أفضل أيامهما, كلٌّ يصبح على كلمة “أحبك” و فيض الكلمات الجميل, اشتهت نفسي ذلك, ألا أستحق كل ذلك؟ بماذا هم أفضل منّي؟, وسوسات علقت في رأسي منذ سماع تلك القصص من أصدقائي,نعود للدرج الذي كنا جالسين فيه, كانت “حصة” الرياضيات بملقيها الخرف, أستاذ أكل عليه الزمن و شرب, كالعادة في كل حصصه نجلس نلعب أو نحدق في الآخرين أو نأكل, و لكن ذلك اليوم كان مختلفا, جلست أحدق في ضحى, مع انني اعتدت أن تجلس بجانبي طيلة السنوات الاحدى عشر الماضية ما انتاب لي يوما أن أحدق اليها أو أتمعن النظر, و في خضمّ تلك الأحداث بدأت نفسي تسوّل لي خرافات الشخص المناسب و ما يندرج تحتها من خزعبلات أبناء عمرنا, على الرغم أنه لم تراودني أبدا أي مشاعر تجاهها,هكذا أحدث نفسي و هكذا كنت احاول اقناع نفسي, أستمع لقصص الآخرين عن الحب و المواعدة و ما يتبعها من تفاهات, تمنيت لو أني أعيشها, و هنا وضعت كل شيء على طاولة القمار, رهان خاسر لا محالة, رميت نردا عديم الوجوه, سوف أخسر بلا جدال, و لكن نفسي مالت و مال معها كل شيء.
مرت بضع أيام و أنا أقنع نفسي بمسلسل حبها, “هي نصفك الآخر”, تحدثني نفسي تارة, “هي الشخص المنشود”, تحدثني تارة اخرى, مشاعر زائفة وليدة غيرة من الآخرين, وليدة حلم واهي, حبست أفكاري في داخلي فترة من الزمن, في كل يوم أحبسها تزداد نارها يقظة و لهيبا,انتقلت من تلك المرحلة الى ان بدت نفسي تسوّل لي الافصاح عمّا بداخلي, نعم أنا موقن بأنها مجرد خرافات و ليس لها أصل في نفسي و لكن لم لا؟ ما الضير في قليل من الحب و الكلام المعسول و الراحة النفسية؟, أأصراحها أم أكتم؟ أأشركها معي في لعبتي الزائفة أم أكتفي بالوهم لوحدي؟ أأنا كفء بحمل راية العشق؟, “و لكن لست سوى مراهق صب صغير على مثل تلك الأمور”, سولت لي نفسي و يا ليتها ما سوّلت, خضت أعنف قتال مع داخلي و لكنه غلبني, أنا ضعيف أمام نفسي. صارحتها في ذات صباح بارد على غير عادة في بلادي, فصباحات الأردن مشرقة و دافئة, لعله برودي أنا و ليس الصباح, مر الأمر كما لم أحتسب, أردت فقط أن أكون كغيري, استقبلت كلماتي بقنابل لها دويّ شرس, “ كلب, من تظن نفسك لتحدثني بذلك“. ما دار بيني و بينها في ذلك اليوم أفضّل أن يبقى بيني و بينها, الذي يهم أنها رفضتني أشدّ رفض و زجرتني أعنف زجر, لجمت نفسي بعد أن صارحتها, مضت بضع أيام, غضّت ضحى الطرف عن بلاهتي حفظا لماء وجهي و لكل ما عشناه, هي منطقية و قد امتازت بذلك طيلة أيام حياتها. تقدم عقلها على كل شيء, ليست كباقي الفتيات تجري وراء القلب. مضى عام على واقعتي, مضى عام و أنا أحارب نفسي بما فعلت, و أنا أحبسها في سجن صنعته في مخيلتي أعذبها في كل يوم و أجلدها ألف جلدة عقابا لما فعلت, فعلا, فمن أنا لأضحي بكل ما كان بيني و بين ضحى؟ من أنا لألعب بمشاعرها؟, و أجلد و أجلد.
أما ضحى فنظرتها اختلفت بعد تلك الواقعة,لم نعد كما كنا, معاملتها صارت تتخللها الريبة, تعاملني بكل شك, بقلة ثقة, كأننا لم نعد نحن,لم أعتد ابداً على القسوة خصوصا من ناحيتها, “لا تلجميني يا ضحى”, كانت وردا يوميا على لساني كلما خطفت نظرة اليها أو ساورنا حديث, تعذبني بعينيها, تقتلني بقلة كلامها و مفاتحتها لي بأمور اعتدنا مشاركتها, لا أؤمن بالرقة الشديدة بين الأصدقاء, خاصة القديمين منهم, و لكن القسوة عقاب لا استحقه, أخطأت و أظن أني عوقبت بما فيه الكفاية.
ما الحل؟ كيف أصلح ما لم يصلحه الدهر؟ بضع اسئلة ما زالت تخالج رأسي, فرّطت في كل شيء لأصبح كغيري, ضيعت الجمال بفعل قبيح, خضت رهانا كنت أعلم أني خاسره, كان لدي ما كل ما يتمناه غيري, كل ذلك لأسمع كلمة “أحبك” في كل صباح أو أتلوها عليها دائما, تصرّف أرعن أودى بكل ما ملكت, أين أنا و أين ضحى مني الآن؟ فرّطت بكل ما كان لدي, و خسرت.
كفاكم خرفا فالصداقة تزن ألف حبّ زائف,
رائعة ..
لو سمحت كيف نشرتها انا مو عارفة انقلها من المسودة لحتى اعرضها
أخت نور يمكنك قراءة دليل استخدام الموقع بالضّغط “هُنا” ، وفي حال وجود استفسارات أخرى يُمنكنكِ مُراسلة الإداراة بالضّغط “هُنا” أو بواسطة البريد الإليكتروني admin@3.64.34.146
شكرًا لمتابعتكِ لنا 🙂
مؤسّس الموقع.
هل هذه القصة حقيقة ؟