أحمد “العربي” أدعى أحمد عربي, خمس وعشرون عاما مرّت سحابا جهاما من عمري, أنا من بلد طغى عليها البؤس ثم تفشّى لجيرانها, أعمل باحثا في شركة رائدة في ألمانيا, قصة نجاحي كالآتي: كالكثير من “العرب” ترعرعت على الذل و ضيق العيش, أطارد رزقي و اخوتي منذ نعومة اظافرنا, انتهى أجل أبي قبل أن أدرك الجحيم الذي جلبني اليه, جحيم “الوطن”, من مكب للقمامة الى آخر, نلاحق “رزقنا” قبل أن يفرّ, لأنه اذا فرّ أو سبقنا اليه أحد لا تتردد أمي بابراحنا ضربا بمرقّ العجين الذي كان بمثابة تحفة ثمينة في بيتنا ذي السقف ال”زينكو”. على الرغم من عقل والدتي ال”دقة قديمة” لكنها كانت تجبرنا على ارتياد المدرسة في الدوام المسائي لمدارس الوكالة القابعة في المخيّم الذي كنّا نقطن, كم كنت أحبّ المدرسة! , ففيها راحتي و ملجئي من قسوة الحياة التي أعيش, أشعر قليلا أني “ابن لآدم” فيها, كأبناء الأغنياء, بلا تشبيه طبعا, و فيها المعاملة الحسنة من المعلمين, على الرغم من ضربهم لنا بالعصيّ كلّما أخطئ أحدنا, لكنه لهدف سامٍ كما كان متداولا على ألسنتهم. و هكذا كانت حياتي طيلة صغري, عنوان تلك المرحلة من حياتي كان العناء و الشق و الكبد. تغيّرت الحال قليلا حين نجحت في الثانوية العامة “بمعجزة” أو بالغش كما كان يتهمني الكثير, كيف ليتيم متقع الحال أن يحصل على علامة مرتفعة و هو الذي يستقيظ فجرا ينبش القمامة بحثا عن “كنزه” فيها؟ لم أكترث لهرائهم فهكذا علّمت نفسي في مغامراتي في البحث عن “الكنز” ألّا أكترث لكلام المنتقدين. حصلت على مكرمة أبناء المخيمات لحصولي على العلامة الأعلى في مخيمنا و التحقت بالجامعة, غيرت عملي الذي اعتدتّ منذ الصغر و اشتغلت في مطعم قريب من الجامعة التي كنت أرتاد, أعيل عائلتي و نفسي و أشغل نفسي في الأوقات الأخرى بدراستي, و كنت, على حد قولهم, “معجزة” طالب مثلي بسرعة استيعابه الخارقة يتحدي جميع أساتذته,. أعجب بي رئيس قسمي و أرشدني للتقديم لمنحة دراسية في ألمانيا, و كان, أخذت بالأسباب و قدمت, تغير حلمي الذي كان منذ الصغر أن اؤمن لقمة عيش أو ان أجد بعض المال أو الطعام الصالح في القمامة, الى التفوق العلمي و أن يخلّد اسمي كعالم. مرّت بضعة أشهر و حصلت على المنحة, منذ نجحت بالثانوي و الأمور “تمشي بالتساهيل” و حضّرت بعدها نفسي للسفر بعد أن كبر أخواي الصغيرين محمد و محمود و أصبح باستطاعتهما تأمين قوت العائلة.” – “يمّا يا أحمد اصحى من النوم لحق الزبالة قبل ما يلمّوها” استيقظت من حلمي الذي كنت فيه, ليس حلما بل غيبوبة, عالمنا الذي نحن فيه ليس بالايجابية التي نتصور, فأنا لم أكمل المرحلة الثانوي, ضاق حالنا لديون أمي الكثير و اضطررت و اخوتي لترك المدرسة و الاجتهاد أكثر بالعمل لتأمين قوتنا و سداد ديوننا. لا مجال في البلاد التي نعيش فيها أن نروم الكماليات التي حلمت بها, تعليم؟ كيف لي أن أتعلّم و أنا لا أجد لقمة العيش لعائلتي, نقتات على القمامة, كم آلمتني كلمات كان يلقيها الكثير ممن يمرّون بنا و نحن نبحث في القمامة عن بعض ما يسترنا لبقية اليوم,و لكن أتعلمون ما القمامة؟ الوضع الذي نحن نعيشه. .
شاهد أيضاً
تعويذة منمقة صقلوها فألصقوها
مهيئون نحن دوماً على وضعية التمني، نحاكي أحلاماً كثر ولكنّ أقل القليل منها يصيّر إلى …