لا أعرف، لكن، ومنذ طفولتي، كنت أتخيل بأن الله له وجه مثلنا.
وجه حزين ومبتهج في الوقت ذاته، بملامح تبدو عليها صفة الخيبة والشعور بالأسف والخذلان الذي تستقبله بشكل يومي ومع ذلك تعود وتبتسم ابتسامة تؤمن بأن الطريق لم ينتهي وأن في نهايته شيء خفي، لا نراه – نحن المتطلعون إلى الجهة المعاكسة دوماً – يتوهج ثم يعود ويختفي.
أمي حين كنت أقوم بأي عمل سيء – كأن أسرق راتب والدي الشهري كله لأشتري طباشيراً لصديق طفولتي ورد – كانت تقول لي بأن الله يبدو حزيناً الآن وأنه لن يقطع يدي لكنه لن يصافحها.
وأن ورد لن يستقبلني بابتسامة هذا الصباح، كصفي ومدرستي كلها، سيتجاهلكِ الله والكون معاً، كما كانت تفعل، ويترككِ تبكين وبين يديكِ مال كثير لن يشارككِ فيه أحد ببهجة أبداً.
لكن بين أعينهم ستظهر سعادة متخفية وتريد أن تخرج لكِ. لا تتركِ هذه الوجوه عابسة ووحيدة، أنتِ أجمل من أن تتركيها.
كانت بعدها تجازيني على معرفتي وتصحيح كل ما اقترفته وتكافئني عليه، كأن ترسم لي وجهاً مبتسماً على ظرف أبيض صغير – من صنعها – وتضعه تحت مخدتي، عليه شكراً يا الله لأنك رضيت عني، وفيه مال قليل لكنه كان يكفي لأن أملأ محفظة قلبي بسعادة لن يسعني وصفها الآن، تحمل وجوه كثيرة ليست عابسة وليست وحيدة، لأنني لم أتركها.
الله يحزن ..
هذه صفة البشر، أعرف. ولكن كيف علينا أن نتخيل عقوبة وعفو الله بطريقة تتجاوز حدود تخيلنا؟ كيف لنا أن نصل إلى هذه المنزلة ولا نكتفي بإيمان بل نتصرف على أساسها؟ نحن بشر وكلنا نخطئ الوسيلة ولكنها كانت تؤدي بي، ومازالت، إلى حياة تخلو من الخطأ والخيبة والظلم والتخاذل أمام وجهه الكريم.
أنا أتذكر أمي الآن في كل فعل سيء أقوم به، وأتذكر وجهه وهو ينظر لي حزين وآسف على فعلتي دون أن يريحني ويقطع يدي، لكنه لم يصافحها.
جميلة بحجم طفولتك التي ما زالت تسكن خبايا روحك 🙂
استمري