هي فتاةٌ حالمةٌ حمقاء , كأيِّ فتاةٍ شرقيَّةٍ ترى الحب قصصاً من ضربِ الخيال , تراهُ مُلَخَّصاً , مُختَزَلاً بأربعةِ حروفٍ و ورده … عاشقَةٌ للوردِ هي , مُدمِنَةٌ لزقزقةِ العصافيرِ صباحاً يخالِطُها صوت مياهٍ تجري في نافورة منزلها , تُطَهِّرُها رائحة الصِّبا في نسماتِ هواءٍ عليل …
غريبَةُ الطًّقوس هي , متَعجرِفَةُ المَظهَرِ , واثِقَةُ الخُطوةِ , مُتَمَرِّدَةٌ حيناً صائِبَةُ الرَّأيِ أحيان . لا تحسِبُ للعقل حساباً فهي مُسيَّرَةٌ بِحُكم القلب , أسيرَة مشاعرها المُتقلبه , لا تُلقي بالاً لأي خُطوَةٍ طائِشةٍ تفعلها من غير حساب …
لقيَتها يوماً ماريّا العرّافةُ تتراقَصُ دلَعاً و رفيقات الدرب من أقرانِها , أخذت مارِيّا كفَّها و بدأت تقرأ طالِعَها بحكمةِ عجوزٍ ما خابَ تَكَهُّنُها من قبل …
خافت جدّاً من نظرَة ماريّا
رجفت يدُها في كفِّ ماريّا
أسقطت دمعةً على ثوبِ ماريّا
قالت عرّافةُ ذاك العصر : ” أي بُنيَّة , عيشي الحياةَ بمَرحِ طفولة كما تريدين , دوخي عشقاً في زمن الحُب كما تشائين , لكن حَذاري بُنَيَّة من ربط اسمِكِ باسم شاعِرٍ يُغرِقُكِ في بحر الكلمات حتى تُعلني الولاء الأبدي , إيّاكِ يا صغيرَتي الوُقوعَ في فخِّ الكلمات , فالشعراء يمَجِّدون القصيدَةَ لحظتها و ليس من خُطّت لها .. حَذاري بُنَيَّه … ”
و مَشَت مارِيّا مُبتَعِده بصوت الخلخال المقرونِ بحُضورها الغامِض المعهود …
سكنَتها رهبَةٌ لحظِيَّةٌ لتسارع الموقف و تَداخُل الأحداث و لم تُلقي لنصيحةِ ماريَّا بالاً ,” تلك العجوزُ ذهب زمانُها و هذا الزَّمانُ لنا نحن لنعيش فيه هوانا كما نشاء ,, ” هذا ما قالتهُ لنفسها ماسِحَةً من ذاكِرَتها ما حدث في ذلك اليوم ..
مضت سنواتٌ على تلك الحادثه و نضج تفكير الفتاة بمرور تلك السنوات العديده مُحافظاً على بعض الشّقاوة حين الحاجة ,, تعرّفت تلك الفتاة على شابٍ حسن الخُلق عن طريق إحدى وسائل التواصُل الإجتماعي المشؤومه , فالبداية كانت توافُقاً بالأفكار المَطروحه كنقاشٍ عابِرٍ في إحدى الصَّفحات , راقَبها ذلك الشّابُ خلسَةً فمن مميّزات تلك المواقع تمكين المُستخدم من معرفة الكثير من التَّفاصيل عن حياة من يشاء دون الإستِئذان أو امتلاكِ صِفَةٍ شرعِيِّة لذلك . راقت له نغمات حياتِها المعزوفَةِ على أوتارِ المغامَراتِ الخطيره دونَ مُبالاةٍ أو أدنى تفكيرٍ عقلانِيٍّ فيما تُقبِل عليهِ من أفعال , خاطَبها في رسائل عديده فراقت لها كلماتُه المَعسوله لا تدري أنَّ حُرُوفاً خُطَّت قد تُسكِنُها في زنزاةِ بُرجٍ آلاف السَّنوات ..
طلبَ مُقابلتها فوافقت دونَ ترَدُّد فيبدوا أنَّ هذه المُغامره ستكون مغامرة العُمر . لم تَزِدها رُؤيَتُه يوماً تلو الآخر إلا غرقاً في أمواج الحُبِّ المُتلاطمة على جُدران الواقع , لم تهدها إيقاعات الشِعرِ المُلقى في الأرجاء بخَطِّ يديهِ إلى برٍّ يخلو من رائحة العطر المصحوبة بحضوره .. خلّدها بيتاً تلو الآخر في صفحات الشعر المنشور له في كُل مكان , توّجها سيّدة الأشعار المخطوطة يوماً بقلم إنسان , أوصَلها لحدود الشَّمس , أسكنها مملكة الجنّ , لوَّنها بربيعٍ أخضر يُورِقُ مثل البُستان …
غرقَت غرقاً ,,
طمِعَت طَمَعاً ,,
حَلُمَت حُلماً ,,
عاشت وهماً أوصلها مرتبة الهذيان ..
ملَّ الشّاعر من لوحَته المكتوبَة في أشهُر معدوده ,, فالروتين الباقي يخلق مللاً في نمطِ معيشَتِهِ المجنونه .. لم يرجوا منها الا أن تكون المُلهمة لشِعرٍ يهوى رسم الأنثى بحروفُ الحُب الموزونه , أسكنها في لوحة شِعريّة إكتملت و حان موعِدُ خَطِّ نهايتها لتليق بمعرض أشعارِه القادم , سيُخلِّدُها ورقاً و يُحرِقُ تِبغَ غليونَه ..
عاشت مرحَلَةً عصبيه , دخلت مُعتقلاً خالي من أيِّ مشاعر وردية , صدمَتُها وصلت حدّاً خُلِّد في صفحاتٍ تاريخيّه .. مرَّت ماريّا كلمح البصر في ذاكِرّةِ طفلةٍ كانت تلهو مرحاً , رنّت كلماتُ ماريَّا العجوز الغجَرِيَّةُ على أسماعها و يكأنها رأتها منذ أيامٍ قليله .. عادت باحثةً عنها في الحَيِّ الشّعبي الذي حمل من الذكرى ما حمل ,, سألت عنها مرّاتٍ عدّة دون جدوى , ما من أحِدٍ يعرف مكان عرّافةٍ غَجَريَّةٍ نصحتها دون أجرٍ يوماً لكي تُقلّل من نتائج الخيبه التي حصدتها اليوم ,..ما من أحدٍ يُدرك ما كان مصير عجوزٍ حاولت منع كفّيها الدّاميَتَين من إقتلاعِ شوكِ الحُب بصدمةِ دَهرٍ لن تتمكن بعدها من الوقوف دون اعوِجاجٍ من جديد ..
ما من أحِدٍ سمع يوماً بصاحبة الخلخال الذَّهَبِيْ … مارِيَّا …