كُنْتُ أُسأل في صغري دائماً ؛ مِن أينَ أنت ؟ فأتردد وأتلعثم في الإجابة ، ثم أسأل نفسي نفس السؤال ؛ من أين أنا ؟ .
جميع مَن على هذه البسيطة وُلِدوا من دونِ أن يختار أحدٌ منهم أصله ، أو عرقه ، أو حتى جنسه . ولدنا ثم التقينا وتعارفنا على بعضنا ، هذا من اليمن ، وذاك من الخليج ، وتلك من الشام ، وهذه من مصر ، هؤلاء من الشرق وأولئك من الغرب .
تصديقاً لقوله تعالى : “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا …” ، تنوع الأجناس ، اللغات ، الثقافات ، تنوع الطباع وأساليب التفكير ، يجعلنا نتفكر كيف أن الله خلق البشر مختلفين ليسوا على ملة واحدة ، ولا على نفس الشاكلة .
عشتُ في الخليج وولدتُ في نجد ، تربيت ونشأت كما أي إنسان يُولد في تلك البِقاع ، لم أجد اختلافاً بيني وبينهم ، كنا فقط نحن من يبحث عن الاختلاف وَيكأنّ أحدنا قادم من الفضاء ! مع أننا نتحدث نفس اللغة ، ونملك نفس الثقافة الإسلامية التي نشأنا وتربينا عليها وإن تغيرت قليلاً !
هكذا عادة ما تكون بعض المجتمعات المنغلقة ، ترفض الجديد ولو كان جيداً وترضى بالقديم ولو كان سيئاً ، معظم المجتمعات العربية كانت كذلك ولا زالت ؛ ولكنني أراها تتغير تدريجياً نحو التفتح والإنفتاح على العالم .
في نظري لا يحق للعرب ولا لغيرهم الفخر ببلدانهم ، ولا بأوطانهم ! . إنني لا أتقبل فكرة أن تفخرَ بشيءٍ لم يكن لك أي دور في صُنعه ، ولا في اختياره !
أنت ولدت هكذا وأنا ولدت هكذا ، إذاً لمَ العنصرية ؟ لمَ العصبية القبلية ؟!
لا أدري لمَ نفخر ببلادٍ رسمها لنا أعداؤنا ، وخطّوا حدودها بقلم الإستعمار ؟
نعم تتنوع الأقطار بتنوع الثقافات والعادات ، وإنه لشيءٌ جميل أن ترى هذا التنوع ؛ وهذا الاختلاف ، إنها وسيلة جيدة للتعارف وصنع العلاقات ، ومعرفة ما لم تكن تعرفه من قبل ، إنه حقاً لشيء رائع وإيجابي !
ولكنني أعود إلى نفسي وأتساءل ؛ هل أنا مُقيّد بالثقافة التي نشأتُ عليها ؟ أو بثقافة أبائي وأجدادي ؟
هل لأنّني من الشّام وعشتُ في الجزيرة العربية ، يجب علي أن أكون كجدي أو كأبي الذي عاش في الشام ؟
مُصيبتنا أننا نُكرّر جاهلية قريش حينما عزفوا عن التوحيد ، فقط بسبب أنهم مستمسكون بما وجدوا أباءهم يعملون
هل كانت عاداتنا وثقافاتنا وحيٌ منزل ؟ هل كان أجدادنا من جنس الملائكة ؟ أم هُم آلهة ؟!
لا زلتُ أتساءل !