كم هو مخلص ذلك القلب ..
هو قلب تحمله تلك الخلايا القطنية كأنها تبني جسدا باردا ارهقه طول المسير فسقط …
رحلته الى الارض تعد الأولى منذ الطواف الأخير …
الآن يقف متسمراً …
يستمد الدفئ من الاسفلت وصفائح معدنية شدت أزر بعضها لتقف في وجه من فوقها ويلوذ بها من تحتها ..
يتبعثر هنا وهناك …
ويجتمع في كفين كأنهما الجنة …
تتمعن فيهما عينان تبدوان أكثر بريقاً من ذي قبل ..
هو طفل يجمع بين يديه ذلك القلب الصغير .. قلب الثلج …
الطفل يحمل قلباً آخر كقلبه ..
ويدين باردتين ..
ورغيف خبز … ابتل نصفه .. وسقط الآخر
له من حذائه الثلث …
ثلث للبرد .. وآخر يحرك أصابعه الصغيرة كأنه البحر يرسل قاربا ويجذبه …
بعض الرمل يتسلل الى سترته .. ثم يفسح الطريق لبكاء الثلج … وزئير الريح …
يتقدم خطوة ترتجف كأنها ذاهبة الى حيث يعيش الظلام ..
يتوسل في مشيته للأرض أن تعتدل … أن تفرد أطرافها ..
أن تمتد .. أو تقف … وتغلق عليه جدرانها ..
يرجو لو أن نبعاً يرتمي الآن بين أصابعه .. لكنه دافئ هذه المرة ..
وقفت على أهدابه تلك البلورات تبدو كأنها نجوم في فضاء عينيه …
كم هي جميلة .. وكم هي قاسية !
بدأ يصنع لعبته البيضاء …
رسم لها حلماً ..
وقلماً …
ثم لونها … رفع عن رأسه قطعة من الصوف ..
أو بقاياه …
شعر بنسمه باردة … لكنه ابتسم …
ثم لون بها تلك اللعبة …
بدا مختلفا ً بدونها …
بدا لونه ابهت من تحت أهدابه الى طرف سترته التي حاول عبثاً أن يدفن وجهه فيها ..
تسرق حروفه … أراد ان يغني ..
بدأ يتهجأ الحروف الأولى ..
والأخيره …
ويضيع في ما بين الاول والأخير …
جلس الى جوار لعبته … وشعلة نار .. وحطب ميت
لكنه يبدو أكثر منه حياة !
استجمع قواه ..
أرسل سطراً …
واستعاد آخراً …
نسي العالم .. وتوقف عند طرفه
تلعثم .. ترددت قدماه .. فوقع على الارض يلفظ الأنفاس الباردة في افق عينيه الابيض ..
تسلل النوم الى رئتيه ….
النوم ليس كما يراه الآخرون ..
النوم خيال الموت …
سرق صوته ..
ثم لونه …
ثم بعض أحلامه …
ثم دفئ قلبه ..
كانت آخر شعلة هناك حيث استقر النوم …
فأطفأها …
ربما الآن سيشعر بالدفئ أكثر …
بل هو أصغر من أن يبرد هناك …
وهمه أكبر حيث تركه …
يخطفه الزائر الابيض الى مكان أجمل …
ويترك في عين من حوله صورة المعركة الأخيره …
وحربه الأخرى مع سواد الأرض ..
قلب الثلج أبيض
وحزنه أسود …
والأرض أكثر سوادا من أن يغطيها الثلج …
وسندرك ذلك فقط حين تطير روحان ..
الثلج …
والطفل …