عن الوحدة أتحدث .. و لكن بعض البهارات من الأمل ..
دوامةُ الحياة ..تمُر علينا ولا نعلُم وقتها…ندخل فيها تدور و تدورُ بنا
…أناسٌ يموتون… وآخرون يولدون…أناسٌ يفترقون وآخرون يلتقون..
أناسٌ يحزنون وآخرون يفرحون..وأخرى تدخُل العشرين بكامِل شبابها… تدخلُ هذهِ الدوامةَ وحيدةً بلا يدٍ تمدُّ لها …
بلا وردةٍ تستقي منها رائحةَ الأمل .. رائحةَ النورِ الذي طالما غابَ عن زاويةِ غرفةِ تلك الفتاة …
تلك الزاويةِ التي شهدت أمرَّ حالاتِ وحدتها … نوباتِ بكائها .. نوباتِ فرحها النادرة .. ابتسامتها الفاترة …الوحدة .. هذا ما سأتحدث عنه …
هذا الشعورُ المخيفُ الذي راود عصرنا .. لازمَ مراهقينا ..أخذ منا شبابنا ..
أخذ منا الحبَّ بالإكراه …أضاعَ زهرةَ شبابنا .. و جعلنا نكبرُ بعشرِ سنواتٍ … نعم بعشر سنوات من الأسى و مرارةِ الفراق …فراق من خالطونا صغارا ..
لكنهم تركونا وحيدين كبارا … وحيدين في زاوية غرفتنا التي لا يطرقُ بابها …فالوحدة تبثُّ الخوف … تبثُّ العزلة ..
تقتلُ الطموح… تقتلُ الأمل .. تقتلُ الضحكات
… و حتى أقلها الابتسامات .. هي .. هي الوحدة من تجعلُ الشبابَ ينحرف ..
و يسلكُ طريقا ليس بمستقيم ٍ بحثا عن وسائلَ تبعثُ فيهم الفرحةَ و لو ليوم .. صحيحُ انه يوم ،،
لكنّ شبابنا بهذا اليوم كانَ قد قامَ بخطأ فادح بدعوى: أبحثُ عن طريقٍ يبدد وحدتي …فالوحدةُ تعشقُ لغةَ الدموع…
يعجبها لهب الشموع عندما تحرقُ القلوب.. مدمرةَ الأحلام .. مولدةَ التشاؤم ..
لكن..
هذه الوحدة هكذا ولدت من العدم ؟؟ سؤال منطقي !! …
أتعرفون شعور الذي من ليسَ له أبٌ و حتى أم ؟.. شعور من ليس له صديق … ليس له عائلة ..
.. طفل فلسطين .. أكبرُ الوحيدين من يجلسُ تحت الأنقاض ..
يبكي و يبكي .. و ما من أحدٍ يمسحُ تلك الدموعِ التي ولّدتها الوحدة ..
ذلك الشعورُ القاسي الذي يجمدُ العظامَ من البرد .. يفقدها دفأها ..
حتى من له عائلة من الممكن أن يعاني الوحدة … يعانيها..!.. نعم..
عندما يكون له أبٌ و أم .. لكن !! لا يمتونَ للآباء بصلة ..لا يسمعون ما يعاني منه أبناءهم ..
لا يشاركونهم مشاكلهم … يهينونهم بعصا الأبِ التي يحملها مهددا بغرفةِ الفئران …
ينعتونهم بألفاظٍ تفقدهم ثقتهم بذاتهم و حتى بمن حولهم … ترسم الكآبةَ على وجوههم،
فيجعلهم يفكرون و يسألون : هل أنا فعلا كما يصفانني أبي و أمي ؟؟ و عندها تبدأَُ نوباتُ الوحدة ..
فليس هناك من مجتمعٍ صغير “العائلة ” يحتضنه و يقيه شرَّ
المجتمعِ الكبيرِ و قسوته … فيبدأُ بالتوجه نحو الطرق الأخرى التدخين ثم المخدرات ثم رفقاء السوء ..
و شارك إذ تشارك .. و عدَّ إن عددت من تلك الصفات و مصحوباتها …
فالوحدة … و أكرر الوحدة .. تؤدي إلى الاغتراب ..
اغترابِ الذاتِ عن هويتها .. اغترابُ الذاتِ عن مجتمعها …
تؤدي إلى الانطواء .. انطواءِ الذات على الذات ..
انطوائها و عزلتها عن المحيطات بها …
الوحدة هي أن تكون بين الجموعِ لكنك تشعرُ أنك وحدك …
وحدك بلا قريب أو صديق .. أو رفيق ..و إن وجد وُجد لتفهمه أنت لا كي يفهمك …
لا كي يشاركك الهموم .. فقط لنفسه و لكن !!
أنت أين صديقك أو رفيقك .. حبيبك أو معينك ؟؟أتعرفون أنا عانيتها.. أنا نفسي عانيت الوحدة .. فلا تستغربوا إن شعرتم
و أنتم تقرؤون مقالتي كأنني أتحدث عن نفسي ..
أنا بالفعل جربتها لذلك أصفها بأدقِّ تفاصيلها ..
بأدق دموعها … لكنني و بعد ..
و بعد تفكيرٍ مطوَّل أدركتُ أنني لستُ وحيدة ..
نعم لست وحيدة ..
فأنا معَ الله ..و في رحابه أمضي .. نوره يرافقني ..
و يرسم البسمةَ التي محتها الوحدة ذلك الشعورُ الشيطاني الذي يبعدك عن الأمل ..
عن الطموح ..في ظلمةِ الليل أناجيه و أشكو إليه همومي و أحزاني ..
أفراحي و بسماتي … فينسيني كل همومي .. و في كل يوم يتجددُ العهدُ بأننا سنضلُّ سويا..
لن أبتعدَ عن الله .. سأضلُّ قريبةً منه .. لأني إن حصلَ و ابتعدت عنه ستعودُ ظلمةَ الوحدةِ لتخيمَ على حياتي من جديد ..
و كأنني لم أنجز أي شيء ..
و كأنني لم أخطُ خطوةً واحدةً في سبيلِ تبديدها …
فجربوا مصاحبة الله …بالفعل إنها أعظمُ صحبة ..
و أعظم عائلة … و أعظم نور .. و ألذها مذاقا ..
و عندها يتجددُ الأملُ و هو من سيلازمك فالأمل عدو الوحدة… مهمته أن يصاحبك و يسحبك بعيدا
عنها فكما يقالُ في المثلِ العربي : ” الصاحبُ ساحب .. و هكذا الأمل ..
فلنرمم أوراق حديثنا .. لنرافق ثغراتِ الجمل ..
و نزيدها بعضَ كلماتِ الأمل .. كل ما عليك ..
أن تفهمَ نفسك .. وتتفهمها جيدا .. عندها .. تتعرف على تطلعاتها .. وأمنياتها .. وحدودها .. كذلك .. بإمكانك .. تلمّسْ احتياجاتها..
وسماع أنينها .. باختصار .. عليك أن تصغي إلى صوتِ الحياةِ بداخلك .. الحياة ..
نستطيعُ التخطيط لها … ورسمَ معالمِ العيشِ على أرضها ..
تلك هي أساليبُ الأمل .. رسم طريقك للمستقبل ..و محوَ بعضَ العقبات الحمقاءِ التي تعترض طريقكَ و طريقه ..أحبتي .. باختصار اكبر …
يستطيع كلّا منا زراعةَ الأمل … ولو بكذبه .. و لو صعبت مواجهتهُ تلك مع الذات!! .. بصيصُ الأمل ..
الذي لا يُعلَمُ مصدره عادة .. سيساعد على حقنِ ذلك الشعور .. لا بل دفنه .. دفنه بعيدا في أقاصي الأرض ..
لكي لا يعود ..هناك .. عندما لا يكون اليأس مرافقا للحياة ..
ولا يكونُ القنوطُ من صفاتنا ..
تكون الحياة .. ولو كنا أمواتا خلفَ قسوةِ الظروفِ ..
عندما نعلم أننا نعيش اليوم .. ونوقن أن الغدَ سيأتي .. و نجددُ عهدنا مع الله .. و نعدُ بمناجاةٍ جديدة نلاقيه بها
…عندها !.. عندها فقط سندفنُ اليأس ..
و نزرعُ غرسةَ الأمل لتنموَ و تكبرَ في ربوعِ نفوسنا ..و تبددَ الظلام .. فرغمَ وجودِ الألم و الوحدة ..
المقاساة و المعاناة .. سيطل علينا الأمل من جديد .. ليضيء زاوية غرفة تلك الفتاة الحزينة .. و طريقَ حينا الذي سكنه المشرد ..
و صديقنا في فلسطين سيتجدد لديه أملُ الحريةِ فيبارح تلك الأنقاض ..
نعم كلٌّ سيعود إلى سابق عهده .. و كله بفضل الله .. كله باليقين به .. و التقرب إليه …فرغم الألمِ سنبقى نحلمُ بالأمل ..
و سيتحققُ بإذن الله .. بإذن من رافقنا بل و أعطنا ووهبنا روحا تنبضُ فينا و تبثُّ في عروقنا دما ليجري
و يضخَ الأملَ في كلِّ بقعةٍ من خريطةِ جسمنا ..
و حياتنا و مستقبلنا .. إنها الوحدة و عدوها الأمل ..
هذا ما تحدثت عنه في كلمات …