جلست في حيرةٍ من أمرها تُعيد هيكلة الماضي كما سبق .. تبني و تهدم كل لحظةٍ حاسمةٍ لفظت فيها قراراً مصيرياً كحدِّ السَّيف , تُدخِلُ نَصاً و تحذِفُ آخر .. تُعيدُ تنقية اللقاءِ بحذف أشخاصِ من الخلفيةِ و انتقاءِ مقعدٍ مناسبٍ بدل الوقوف لساعاتٍ بخوضِ حوارٍ عابِثٍ لا ينتهي , تضعُ شجرةَ صنوبرٍ على اليمين , فالشَّمسُ كانت حارِقه و الأيدي لا تكفي لرَدِّ لهيبِ تموز المُكَثَّفِ في الظَّهيره , تُتَمتِمُ نَدَماً في نفسها تُعاتِبُها لعدم إطالةِ الحديث من كل حَدبٍ و صوب لتحظى بأطولِ وقتٍ في حضرة الحبيب المُبَجَّل …..
لن يُجدِيَ الخيالُ الآن ..
قرَّرت الرُّجوعَ إلى الواقع ..
نَفَضَت غُبار الذِّكريات و ما عَلِقَ برأسها من أوراقِ الورد المُتساقطةِ في خريفِ الأمنيات ..
عادت تراجعُ كُلَّ حرفٍ نطَقَت به و نَطَقَ به حروفاً خُطَّت على وَرَقٍ مُصفَر .. لم يكن قراراً جديداً بل فرضاً تقومُ به باستمرار , علَّها تجِدُ حرفاً ضلَّ طريقَهُ وسط ازدحام الكلمات .. علَّها تجِدُ نَصَّاً وقع سهواً يحمل عَتَباً .. حُزناً .. حُبَّاً .. ندماً .. عشقاً …. إهانَةً ….. لم تلتفت لها إثر تخدير الشهقة الأولى ..
تقرأ رسائلَهُ كُلَّ مساء بلهفة من يقرأها لأولِ مَرَّةٍ , تتلوها كتراتيل مقدّسة واجبٌ تكرارها لتحرسها من خطرٍ قد يأتيها من أي غريبٍ في غفلةِ منها .. تقرأُها حرفاً حرفاً بلوعة عاشق يتلقاها في لحظة شوق عبثية تسرح في ظُلمات القلب ..
هي لا تذكر تفاصيل اللقاء الأول و لا يمكنها استحضار شرارة عشقٍ عُذريٍّ أشعلها قدرٌ دون درايتها ..
كيف استطاع اقتحام حياتها ؟؟!
كيف تمركز في محور عقلها ؟؟!
كيف تمكن من الحصول على تصريح دخولٍ للقلب ليُعلنه عنواناً أبدياً ؟؟!
أسئلةٌ كثيرةٌ تمضي هُنا و هُناك .. يترَدّدُ صداها في الأرجاء .. تضحكُ تارةً و تبكي تارةً أُخرى .. تلعن ساعة فراقٍ سكنتها و تشكُر نصيباً لم يكتمل ..
في كل ليلةٍ تُعيد صياغة السيناريو من جديد علّها تحظى ببعض سويعاتٍ من نومٍ هنيء ..
هل كانت محطة إنتظارٍ على طريق قطارِه ؟؟
هل نثر الحروف عينها لسابقاتٍ عابرات … أم سينثرها للاحقاتٍ مُقيمات ؟!
لم تستطع الوصول إلى تفسيرٍ منطقيٍ يُقِرُّ السكينةَ في نفسها المُشتَعِله ..
هل كانَ حُلُماً لم يكتمِل .. أم كان مُستقبَلاً لم ينتظر .. ؟!
ها هي ذا تُعيدُ طقوسَ عامٍ مضى دونَ جدوى .. عين السُّطور و الكلمات .. نفس الحروفِ و الرَّنات ..
لم نختلف أبداً و لم نتَّفِق قَط ..
دُرنا كما دارَ الزَّمانُ بنا .. حبيبان في خَطَّيْن مُتوازيَيْن , يُقابل أحدُنا الآخر .. تتقاطِعُ مدارات حياتنا .. نتشاركُ كثيراً كثيراً و نختلف أكثر و أكثر .. لن ننسى و لن نُنسى .. لن تتقاطَعَ الخطوطُ يوماً و لن ينتهيَ الشوق دهراً ..
سَنَشرَبُ كُؤوسَ النِّسيانِ عَبَثاً يقابِلُ بعضُنا الآخر ..
قلبان عجيبان ..
ملَّ الحُزنُ حُزنَهما , فاستَأذَنَ و رَحَل …